رغم الانقسام والاضطرابات.. المرأة الليبية شريك استراتيجي في صنع السلام
رغم الانقسام والاضطرابات.. المرأة الليبية شريك استراتيجي في صنع السلام
تواصل النساء الليبيات أداء أدوارٍ محورية في مسارات المصالحة الوطنية رغم ما تواجهه البلاد من اضطرابات سياسية وانقسامات اجتماعية، لتتحول جهودهن إلى ركيزة أساسية في بناء السلم الأهلي وفض النزاعات بين القبائل والفصائل المتنازعة.
ويأتي هذا الدور وسط مشهد معقّد يتقاطع فيه النفوذ العسكري مع الانقسام السياسي الحاد، ما يجعل المرأة الليبية فاعلًا رئيسيًا في محاولات ترميم النسيج الاجتماعي الذي تمزق بفعل سنوات الحرب، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الاثنين.
وذكرت فتحية المعداني، المديرة التنفيذية لمنظمة نيتاج لتنمية قدرات المرأة، أن المرأة الليبية أثبتت حضورًا قويًا في مبادرات السلام والمصالحة، من خلال دعم النساء المتضررات من النزاعات وتقديم المساندة النفسية والاجتماعية لضحايا العنف والنزوح، مؤكدةً أن "المرأة الليبية كانت دائمًا في طليعة من يواجهون الأزمات ويقترحون الحلول، لأن تأثيرها في المجتمع يمتد عبر التاريخ".
وأوضحت المعداني أن من أبرز أدوار النساء المساهمة في تنفيذ القرار الأممي رقم 1325، الذي اعتمدته ليبيا والتزمت بتطبيقه، باعتباره أول إطار دولي يُعنى بالمرأة والسلام والأمن.
ويهدف هذا القرار إلى إشراك النساء في عمليات صنع القرار المتعلقة بالنزاعات، ومكافحة العنف الجنسي في الحروب، وضمان العدالة الجندرية في مرحلة ما بعد النزاع، ما يعزز فرص تحقيق سلام شامل ومستدام.
إرثٌ من النضال
استذكرت المعداني خلال حديثها رموز الحركة النسائية الليبية اللاتي دفعن حياتهن ثمنًا لمواقفهن، وعلى رأسهن الناشطة الحقوقية سلوى بوقيقيص التي اغتيلت داخل منزلها خلال سنوات الفوضى، واصفةً مقتلها بأنه "خسارة جسيمة لمسيرة السلام والعدالة في ليبيا".
وشددت على ضرورة استمرار النساء في حمل رسالة المصالحة الوطنية، والعمل على نشر ثقافة الحوار والعيش المشترك، مؤكدة أن "تحقيق الاستقرار لا يمكن أن يتم دون أصوات النساء، فهنّ الضامن الحقيقي لاستدامة السلام".
ودعت إلى تعزيز القدرات المؤسسية لمنظمات المجتمع المدني لتأهيل النساء، وتمكينهن من المشاركة في ورش تدريبية ولقاءات توعوية تهدف إلى نقل الخبرة بين الأجيال، إلى جانب تسليط الضوء إعلاميًا على إنجازاتهن ودورهن في إعادة بناء البلاد من الداخل.
حضور نسائي فاعل
أكدت هويدة المنفي، رئيسة منظمة تنوير للتنمية الشاملة، الدور البارز الذي تؤديه المرأة الليبية في جهود التفاوض والحوار الوطني داخل مناطق النزاع، مشيرةً إلى أن النساء شاركن في العديد من جلسات الوساطة المحلية بين القبائل والمكونات الاجتماعية.
وقالت المنفي إن "المصالحة الوطنية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق من دون المرأة، فهي تمثل صوت الضحايا وعنوان العدالة الاجتماعية"، مطالبةً بتضمين النساء في جميع مراحل عملية السلام من المفاوضات إلى التنفيذ، لضمان تمثيل عادل ومتوازن.
ومن جانبها، طالبت قدرية عثمان صالح، رئيسة مجلس إدارة جمعية الصفات للتنمية، بضرورة تكاتف المجتمع الليبي بمختلف مكوناته لدعم حضور المرأة في عمليات المصالحة، مؤكدةً أن النساء القياديات ما زلن يواجهن قيودًا اجتماعية وثقافية تحد من انخراطهن الكامل في المشهد العام.
ودعت صالح إلى تكثيف برامج التدريب والتوعية المحلية والدولية لرفع قدرات النساء على المشاركة الفعالة في فض النزاعات، مشيرةً إلى أن "تمكين المرأة ليس ترفًا بل شرطًا أساسيًا لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء دولة مستقرة".
وأوضحت أن المرأة الليبية أثبتت قدرتها على القيادة وتحمل المسؤولية، خصوصًا بعد ما واجهته من نزوح وفقدان ومعاناة طويلة في ظل الحروب، مشددةً على أن "الرجل عليه أن يثق بقدرات النساء ويعتبرهن شريكات وسفيرات للسلام في كل مبادرة وطنية".
إرث يعزز الثقة بالمرأة
استشهدت صالح بتجارب من الجنوب الليبي، حيث تمنح بعض قبائل الطوارق النساء مواقع قيادية في مجالس الحلّ والنزاعات، معتبرة أن ذلك يعكس إيمانًا راسخًا بحكمة المرأة وقدرتها على تحقيق التوازن الاجتماعي.
وأضافت أن المرأة الليبية تمتلك تاريخًا وطنيًا مشرفًا، إذ أسهمت في دعم المقاومة ضد الاستعمار، وشاركت في تحرير البلاد، وفي مرحلة ما بعد الثورة لعبت أدوارًا محورية في المصالحة المجتمعية.
وتُظهر التجارب الليبية أن النساء لا يقفن على هامش الأحداث، بل يشكّلن محورًا أساسيًا في بناء الثقة وإعادة اللُّحمة الوطنية.
ويجمع الخبراء على أن السلام المستدام في ليبيا لن يتحقق دون تمكين المرأة، سياسيًا واجتماعيًا ومؤسساتيًا، لتتحول من فاعل اجتماعي إلى شريك استراتيجي في صنع القرار وصون الأمن المجتمعي.
وفي بلدٍ أنهكته النزاعات، تبقى النساء الأمل الأصدق في ترميم ما تهدّم، وبناء وطنٍ يحتضن أبناءه دون تفرقة، بروحٍ من العدالة والتسامح والإصرار على الحياة.